أنبياءُ عاشوا في مِصرَ: رحلةٌ إيمانيَّةٌ على أرضِ الكِنانة
أنبياء شرفوا أرض مصر
مقدمة
اليومَ سنأخذُكم في رحلةٍ إيمانيَّةٍ عبرَ الزمنِ، إلى أرضِ
الكِنانةِ، مِصرَ، تِلكَ الأرضِ المبارَكةِ التي سارَ على تُربَتِها عددٌ من
الأنبياءِ والرُّسُلِ، وترَكوا فيها بَصَماتٍ من الإيمانِ والحِكمةِ.
من إبراهيمَ الخَليلِ عليهِ السَّلامُ، إلى يُوسُفَ الصِّدِّيقِ، الذي
أصبحَ عزيزَ مِصرَ وقائدًا لها، وصُولًا إلى مُوسى الكَلِيمِ، الذي واجَهَ أعظَمَ
طاغوتٍ في تاريخِ البشريَّةِ... كُلُّ هؤلاءِ الأنبياءِ عاشوا أو مرُّوا بمِصرَ،
وجعلوا منها مَسرَحًا لأحداثٍ غيَّرَت مَجرَى التاريخِ!
فهلْ تَعرفونَ مَن همُ الأنبياءُ الذين عاشوا في مِصرَ، وكمْ عددُهم؟
وما هي القِصَصُ الإيمانيَّةُ التي حدَثَت على أرضِها؟
رحلة إلى عُمقِ التاريخِ لنتعرَّفَ معًا على "الأنبياءِ الذين
عاشوا في مِصرَ".
١. نبيُّ اللهِ إبراهيمُ
عليهِ السَّلامُ
نبيُّ اللهِ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ من أوائلِ الأنبياءِ الذين
زاروا مِصرَ. وفقًا للرِّواياتِ التاريخيَّةِ والدينيَّةِ، جاءَ إبراهيمُ إلى
مِصرَ مع زَوجتِهِ سارةَ هَربًا من المجاعَةِ التي ضربَت مَنطِقَةَ كَنعانَ ، فلسطين
حالياً
ومن أهم أسباب هروب سيدنا إبراهيم إلى مصر كان
حِمايةُ زَوجتِهِ سارةَ
كانَ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ دائمَ الحِرصِ على سَلامةِ زَوجتِهِ
سارةَ، التي كانتْ تَتَمَتَّعُ بجَمالٍ أخَّاذٍ. وخَوفًا من تَعرُّضِها للأذى في
ظِلِّ الظُّروفِ الصَّعبةِ التي كانتْ تَعيشُها المَنطِقَةُ، قرَّرَ الانتقالَ إلى
مِصرَ حيثُ الأمانُ النِّسبيُّ والاستقرارُ.
وكذلك وهو يُعتبَرُ أهم الأسباب
الهِجرةُ إلى مِصرَ بسببِ الاضطِهادِ
كانَ مِن أهَمِّ أسبابِ هِجرةِ إبراهيمَ إلى مِصرَ الاضطِهادُ الذي كانَ
يُعانِي منهُ في أرضِ كَنعانَ (فلسطينَ حاليًّا)،
حيثُ تُشيرُ بَعضُ الرِّواياتِ إلى أنَّ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ
واجَهَ اضطِهادًا مِن قَومِهِ بسببِ دعوتِهِ إلى تَوحيدِ اللهِ ورفضِهِ عبادةَ
الأصنامِ.
في مِصرَ، واجَهَ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ اختِبارًا عظيمًا عندما
حاوَلَ مَلِكُ مِصرَ الاستيلاءَ على زَوجتِهِ سارةَ، ولكنَّ اللهَ تعالى حَمى
سارةَ بحِكمتِهِ وقُدرَتِهِ.
تُظهِرُ هذهِ القِصَّةُ مدى ثِقَةِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ باللهِ
وتوكُّلِهِ عليهِ في أصعبِ المَواقِفِ.
وليس هناك صدفة في أحداث يقدرها المولى عزّ وجلّ ، فقد عاد إبراهيم من
مصر ومعه زوجته سارة والأميرة المصرية هاجر التي تزوجت سيدنا إبراهيم فيما بعد
وأنجبت منه ابنه إسماعيل أبو العرب وجد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
فقد قدّر الله ذلك لتأتي هاجر وتُنجب إسماعيل وما ارتبط بهما من بئر
زمزم والصفا والمروة والسعى بينهما وبناء بيت الله الحرام والكعبة وكل ما نعرفه من
مشاعر الحج والعُمرةْ
٢. نبيُّ اللهِ يُوسُفُ عليهِ
السَّلامُ
يُعدُّ نبيُّ اللهِ يُوسُفُ عليهِ السَّلامُ من أشهَرِ الأنبياءِ
الذين عاشوا في مِصرَ. فقد جاءَ إلى مِصرَ كَعبدٍ صغيرٍ، وبعدَ سِلسِلةٍ من
الأحداثِ المُثيرةِ، أصبحَ عزيزَ مِصرَ ومسؤولًا عن خَزائنِها.
ذُكِرَت قِصَّتُهُ بتفصيلٍ في القُرآنِ الكريمِ في سُورةِ يُوسُفَ،
وليس بخافي عن أد قصة سيدنا يوسف مع امرأة العزيز والتي بسببها دخل
السجن لسنوات
وخرج من السجن بعد أن برأه الله ليكون عزيزا وحاكما على مصر
عاشَ يُوسُفُ عليهِ السَّلامُ في مِصرَ لِسنواتٍ طويلةٍ، ودَعا إلى
تَوحيدِ اللهِ تعالى، وكانتْ فَترَةُ حُكمِهِ فَترَةَ ازدهارٍ ورَخاءٍ بفضلِ
حِكمتِهِ وإدارتِهِ الحَكيمَةِ لأزمَةِ المجاعَةِ التي ضربَت المَنطِقَةَ. وقدِ
استَدعى والِدَيهِ وإخوَتَهُ إلى مِصرَ ليَعيشوا معهُ، ممَّا جعَلَ مِصرَ مَوطِنًا
لِذُرِّيَّةِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ.
٣. نبيُّ اللهِ مُوسى عليهِ
السَّلامُ
وُلدَ مُوسى عليهِ السَّلامُ في فَترَةِ اضطِهادِ فِرعَونَ لبَني
إسرائِيلَ، حيثُ كانَ فِرعَونُ يَقتُلُ الذُّكورَ مِن مَواليدِهِم خَوفًا مِن
نُبوءةٍ تَوَقَّعَت زَوالَ مُلكِهِ على يَدِ غُلامٍ مِن بَني إسرائِيلَ.
تَربَّى مُوسى في قَصرِ فِرعَونَ، ولكنَّ اللهَ تعالى هَيَّأ لهُ
طريقَ النُّبوَّةِ. بعدَ حادثةِ قَتلِ القِبطِيِّ، هَرَبَ مُوسى إلى مَدينَ، ثُمَّ
عادَ إلى مِصرَ بدَعوَةٍ مِن اللهِ لِمُواجَهَةِ فِرعَونَ ودَعوتِهِ إلى الإيمانِ
باللهِ الواحِدِ.
شهدَت مِصرُ في عَهدِ مُوسى عليهِ السَّلامُ مُعجِزاتٍ عَظِيمَةً، مِثلَ
انقِلابِ العَصا إلى ثُعبانٍ، ويدِهِ البَيضاءِ، وأخيرًا مُعجِزَةِ انشِقاقِ
البَحرِ الأحمَرِ، التي أنقَذَ اللهُ بها بَني إسرائِيلَ مِن جَيشِ فِرعَونَ.
٤. نبيُّ اللهِ هَارُونُ
عليهِ السَّلامُ
هَارُونُ عليهِ السَّلامُ هو شَقيقُ مُوسى عليهِ السَّلامُ، وكانَ
نَبيًّا أيضًا. شارَكَ هَارُونُ أخاهُ في دَعوَةِ فِرعَونَ وقَومِهِ إلى الإيمانِ
باللهِ تعالى، وقدْ كانَ خَطيبًا مُفَوَّهًا يَدعُو إلى الحَقِّ.
٥. نبيُّ اللهِ إِدْرِيسُ
عليهِ السَّلامُ
تُشيرُ بعضُ الرِّواياتِ التَّاريخيَّةِ إلى أنَّ نبيَّ اللهِ
إِدْرِيسَ عليهِ السَّلامُ زارَ مِصرَ أو عاشَ فيها لِفترةٍ مِن الزَّمنِ. وقدِ
ارتَبَطَ اسمُهُ ببِناءِ الأهراماتِ في بعضِ الرِّواياتِ، حيثُ يُقالُ إنَّهُ أوَّلُ
مَن بنى أهرامات.
وكذلكَ كانَ نبيُّ اللهِ إِدْرِيسُ عليهِ السَّلامُ أوَّلَ مَن خَطَّ
بالقَلَمِ، وأوَّلَ مَن خَاطَ الثِّيابَ ولَبِسَها، وأوَّلَ مَن نظَرَ في عِلمِ
النُّجومِ، وأوَّلَ مَن بنى المُدُنَ، وأوَّلَ مَن علَّم الطِّبَّ، وأوَّلَ مَن
وَضَعَ قَواعِدَ الحَضارَةِ.
وهوَ أوَّلُ مَن رُفِعَ إلى السَّماءِ،
واللهُ أعلمُ،
حيثُ وردَ في بَعضِ الرِّواياتِ أنَّ إدْرِيسَ عليهِ السَّلامُ كانَ
أوَّلَ نَبيٍّ رُفِعَ إلى السَّماءِ دونَ أنْ يَموتَ، كما في قَولِهِ تعالى:
[وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا
نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّ]
[مريم: ٥٦-٥٧]
وقدْ فُسِّرَت هذهِ الآيَةُ بأنَّ اللهَ رَفَعَهُ إلى السَّماءِ
حَيًّا.
٦. نبيُّ اللهِ يَعْقُوبُ
عليهِ السَّلامُ
يَعْقُوبُ عليهِ السَّلامُ، والدُ نبيِّ اللهِ يُوسُفَ عليهِ
السَّلامُ، جاءَ إلى مِصرَ في سَنواتِهِ الأخِيرَةِ بعدَ أنِ استَدعاهُ ابنُهُ
يُوسُفُ ليَعيشَ معهُ. وقدْ عاشَ يَعْقُوبُ في مِصرَ معَ أبنائِهِ، وكانتْ
وَفاتُهُ فيها.
وقدْ أوصَى يُوسُفَ عليهِ السَّلامُ بدَفنِ جُثمانِهِ في أرضِ
كَنعانَ، مِمَّا يَدُلُّ على ارتباطِهِ الرُّوحيِّ بأرضِ الشَّامِ.
٧. نبيُّ اللهِ أَيُّوبُ
عليهِ السَّلامُ
تُشيرُ بَعضُ الرِّواياتِ إلى أنَّ نبيَّ اللهِ أَيُّوبَ عليهِ
السَّلامُ زارَ مِصرَ أو عاشَ فيها لِفترةٍ مِن الزَّمنِ. وقدْ عُرِفَ أَيُّوبُ
بصَبرِهِ العَظيمِ على الابتِلَاءاتِ، وهيَ قِصَّةٌ مَذكُورَةٌ في القُرآنِ
الكريمِ.
٨. نبيُّ اللهِ عِيسَى عليهِ
السَّلامُ
نبيُّ اللهِ عِيسَى عليهِ السَّلامُ، وهوَ المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ،
لمْ تُذكَرْ في القُرآنِ الكريمِ أو الأحاديثُ النَّبويَّةُ الصَّحيحةُ أيُّ
رِوايةٍ تُفيدُ بأنَّهُ عاشَ في مِصرَ أو زارَها بشكلٍ مُباشِرٍ.
قِصَّةُ اللُّجوءِ إلى مِصرَ في الرِّواياتِ التَّاريخيَّةِ
وَفقًا للأناجِيلِ المَسيحيَّةِ، وبَعضِ الرِّواياتِ التَّاريخيَّةِ،
فإنَّ مَريَمَ العَذراءَ ويُوسُفَ النَّجَّارَ (الذي كانَ يَكفُلُها) هَرَبوا
بعِيسَى عليهِ السَّلامُ إلى مِصرَ بعدَ أنْ أخبَرَهُم مَلاكٌ بأنَّ المَلِكَ
هِيرُودُسَ يَبحثُ عن الطِّفلِ ليَقتُلَهُ. وقدْ استَقَرُّوا في مِصرَ حتَّى
تُوفِّيَ هِيرُودُسُ، ثُمَّ عادوا إلى فِلسطينَ.
ومعَ أنَّ هذهِ القِصَّةَ ليستْ مَذكُورَةً في القُرآنِ الكريمِ،
إلَّا أنَّ القُرآنَ يُؤكِّدُ أنَّ اللهَ تعالى حَفِظَ عِيسَى عليهِ السَّلامُ مِن
كَيدِ الأعْدَاءِ، كما في قَولِهِ تعالى:
[وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ
رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ]
[المؤمنون: ٥٠]
والرَّبوَةُ هنا، هى مِصرَ، وقدِ اختَصَّها اللهُ عزَّ وجلَّ
بصِفتَينِ دائِمتَينِ فيها إنْ شاءَ اللهُ، وهُما:
١ أنَّها
ذاتُ قَرارٍ أي ذاتُ استِقرارٍ وأمانٍ.
٢ أنَّها
ذاتُ مَعِينٍ والمَقصُودُ هنا نَهرُ النِّيلِ، الذي لَنْ تُحرَمَ مِنهُ مِصرُ
أبدًا بفضلِ اللهِ.
ومعَ أنَّ القُرآنَ الكريمَ والسُّنَّةَ النَّبويَّةَ لا يَذكُرانِ
تَفاصيلَ عن وُجودِ عِيسَى عليهِ السَّلامُ في مِصرَ، إلَّا أنَّ الرِّواياتِ
التَّاريخيَّةَ والمَسيحيَّةَ تُشيرُ إلى أنَّ مِصرَ كانَتْ مَكانًا آمِنًا لهُ
ولأمِّهِ مَريَمَ عليهِما السَّلامُ لِفترةٍ مِن الزَّمنِ.
وفي النهاية
مِصرُ، بموقِعِها الاستِراتيجيِّ وتاريخِها العَريقِ، كانَتْ ولا
تَزالُ أرضًا مُبارَكةً شهِدَتْ حُضورَ عددٍ مِن الأنبياءِ الذينَ سارُوا على
أرضِها، ودَعَوا إلى عِبادةِ اللهِ الواحِدِ.
قِصَصُ هَؤلاءِ الأنبياءِ تُذَكِّرُنا بقُدرَةِ اللهِ تعالى،
وحِكمَتِهِ، وعَدلِهِ، وتُعَلِّمُنا الدُّروسَ العَظِيمَةَ عنِ الصَّبرِ،
والإيمانِ، والتوكُّلِ على اللهِ في كُلِّ الظُّروفِ.
فَهَلَّا نَتَّعِظُ مِن هذهِ القِصَصِ، ونَقتَدِي بإيمانِ هَؤلاءِ
الأنبياءِ وصَبرِهِم، حتَّى نَنالَ رِضا اللهِ تعالى في الدُّنيا والآخِرَةِ؟