الدكتور محمود يوسف سعادة: البطل الذي أشعل حرب أكتوبر وأنقذ مصر
محمود سعادة وأزمة السوفييت
مقدمة
عندما يُذكر نصر أكتوبر المجيد، تتجه الأذهان تلقائيًا
نحو الجنود البواسل، والقيادات العسكرية، والخطط الحربية الدقيقة. لكن خلف خطوط
الجبهة، كان هناك جندي من نوع مختلف... عالم مصري وقف على حافة اليأس التام، فصنع
الأمل من رماد المستحيل. ذلك هو الدكتور محمود يوسف سعادة، الأستاذ بالمركز القومي
للبحوث، وأحد الجنود المجهولين الذين كتبوا سطرًا مصيريًا في تاريخ الأمة.
خلفية الأزمة: الوقود منتهي الصلاحية وغياب السوفييت
في منتصف عام 1973، قبل اندلاع الحرب بنحو أربعة أشهر،
تلقى الرئيس أنور السادات تقارير استخباراتية تؤكد أن وقود صواريخ الدفاع الجوي
المصري قد انتهت صلاحيته بالكامل، في وقت كانت فيه المنظومة الدفاعية الجوية حجر
الزاوية في خطة عبور قناة السويس وكسر خط بارليف.
الأزمة تعقّدت أكثر بعد أن توقف الدعم السوفيتي، المصدر
الوحيد لذلك الوقود المعقد تقنيًا، بسبب التوترات السياسية بين القاهرة وموسكو
آنذاك.
بحسب شهادات عسكرية مصرية، مثل ما رواه اللواء حسام
سويلم (رحمه الله) في لقاءاته المتلفزة، كانت تلك اللحظة مفصلية، وكادت أن تؤدي
إلى تأجيل الحرب إلى أجل غير مسمى، لولا تدخل خارق من عقل علمي مصري.
مهمة مستحيلة... وعالم عبقري
عُرضت المشكلة على معامل القوات المسلحة، لكنها أعلنت
عجزها التام عن إعادة تنشيط الوقود المتدهور. عندها قرر الرئيس السادات اللجوء إلى
العلماء المدنيين، فوقع الاختيار على الدكتور محمود يوسف سعادة، أحد أبرز علماء
الكيمياء التطبيقية في المركز القومي للبحوث.
كيف أنقذ الموقف؟
في معجزة علمية بكل المقاييس، استطاع الدكتور سعادة خلال
شهر واحد فقط أن:
يعيد استخلاص 45 طنًا من الوقود الصالح من المخزون
التالف.
يفكك مكونات الوقود إلى عناصره الأولية.
ثم يعيد تركيبها كيميائيًا وفق المعايير المطلوبة
لاستخدامها في صواريخ "سام" أرض-جو.
خضعت هذه التركيبة لتجربة واقعية، إذ تم شحن أحد
الصواريخ بها، وأُطلق بنجاح تام، في تجربة أذهلت كبار الضباط والمهندسين
العسكريين.
ماذا قال السادات عن هذه المعجزة؟
نُقل عن مقربين من الرئيس أن فرحة السادات بهذا الإنجاز
العلمي لم تكن تقل عن فرحته بنجاح العبور نفسه، لأنه أدرك أن حائط الصواريخ أصبح
جاهزًا، ما يعني تحقيق عنصر المفاجأة الاستراتيجي ضد التفوق الجوي الإسرائيلي.
حتى القيادة السوفيتية، التي لم تصدق أن مصر تستطيع
بمفردها معالجة هذا النوع من الوقود المعقد، عبّرت عن انبهارها الشديد عند معرفتها
بتفاصيل العملية.
من هو الدكتور محمود يوسف سعادة؟
محمود يوسف سعادة , ولد في 21 يونيو 1938 بالقاهرة.
متزوج وله ثلاثة أبناء.
حصل على
بكالوريوس هندسة كيميائية 1960، دبلوم الكلية الامبراطورية للعلوم والتكنولوجيا ،
دكتوراه الفلسفة في الهندسة الكيميائية 1965، درجة الزمالة البريطانية للصحة 1976،
دبلوم دراسات عليا من كلية الآثار. عمل معيد بكلية الهندسة جامعة القاهرة 1960،
معيد بالكلية الفنية العسكرية 1960، باحث بالمركز القومي للبحوث 1965، أستاذ باحث
1971، رئيس شعبة البحوث الهندسية، أستاذ بالمركز القومي للبحوث 1976ورغم هذا
الإنجاز المفصلي في تاريخ مصر الحديث، ظل د. سعادة بعيدًا عن الأضواء والإعلام
طوال حياته، حتى توفي في صمت عام 2011، دون تكريم رسمي يليق بما قدمه.
لماذا لا نعرفه اليوم؟
مثل كثير من العلماء في العالم العربي، لم يكن الدكتور
سعادة صاحب علاقات أو ميول إعلامية، كما لم تكن هناك إرادة قوية لتوثيق مساهمات
العلماء المدنيين في الأحداث العسكرية، ربما بسبب طبيعة السرية في الجيش، أو لغياب
آليات التكريم المجتمعي لهؤلاء.
دروس من القصة
قيمة البحث العلمي المحلي: ما فعله الدكتور سعادة يؤكد
أن الدول التي تستثمر في عقول علمائها يمكن أن تتحرر من التبعية.
العلم في خدمة السيادة: لا انتصار عسكري بلا قاعدة علمية
وطنية.
ضرورة تكريم الرموز المغمورة: من الضروري أن يتم تدريس
مثل هذه الشخصيات في المناهج المدرسية، أو تسليط الضوء عليهم في الإعلام.
خاتمة
قد لا تحفر أسماء العلماء في الذاكرة العامة كما تفعل
أسماء القادة والجنرالات، لكن من الظلم أن يطوى التاريخ صفحة بطل عبقري مثل
الدكتور محمود يوسف سعادة، الرجل الذي أنقذ مصر من نكسة محتملة، وكتب فصلاً خفيًا
من أعظم فصول النصر.
رحمه الله، وخلّد ذكراه في سجل الشرف الوطني.