الجديد

قومُ عادٍ وإرمُ ذاتُ العِماد l الأحقاف قصةُ الجبابرة الذين لم يُخلَقْ مِثلُهم في البلاد

 

الأحقاف - قومُ عادٍ وإرمُ ذاتُ العِماد l قصةُ الجبابرة الذين لم يُخلَقْ مِثلُهم في البلاد


قومُ عادٍ وإرمُ ذاتُ العِماد l الأحقاف قصةُ الجبابرة الذين لم يُخلَقْ مِثلُهم في البلاد

الأحقاف

مقدمة 

يظلّ الحديث عن قوم عاد حديثًا عن إحدى أعظم الأمم التي مرّت في تاريخ البشرية بعد الطوفان، أمةٍ بلغ أهلُها مبلغًا هائلًا من القوة والبأس والتمدّن، حتى وصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾.

 

ومع ذلك، فقد دفنتهم الريح العقيم تحت رمالٍ غمرتها العبر والعظات، ليتحوّل ذكرهم إلى تحذير خالد من عاقبة الجبابرة الظالمين.

تاريخ ظهور قوم عاد

أما عن تاريخ ظهور قوم عاد فهم  أقدم أقوام العرب البائدة؛

 لذلك كان الرواة يضربون بهم المَثل في القِدم  ،

وقد ظهروا في الفترة بعد قوم نوحٍ -عليه السّلام- وقبل ثمود قوم صالح،

ويؤكد ذلك؛ ذكر عادٍ في آياتٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم بعد ذكر قوم نوحٍ وقبل ذكر ثمود، ومن ذلك قول الله تعالى: (أَلَم يَأتِهِم نَبَأُ الَّذينَ مِن قَبلِهِم قَومِ نوحٍ وَعادٍ وَثَمودَ وَقَومِ إِبراهيمَ

و يرجعون في نسبهم إلى عوص بن أرم بن سام، وكانوا يسكنون الأحقاف،

 وتذكر الروايات

 أنّ الأحقاف تقع في حضرموت، وبعد أن فشت فيهم عبادة الأصنام أرسل الله تعالى فيهم نبيًّا منهم، هو نبيّ الله هود عليه السّلام، قال الله تعالى: (وَإِلى عادٍ أَخاهُم هودًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ إِن أَنتُم إِلّا مُفتَرونَ

 صفات قوم عاد

جاء ذكر عادٍ في القرآن الكريم في أربعةٍ وعشرين موضعًا، وبيّنت الآيات أبرز صفات عاد؛ فقد كانوا متكبّرين متجبّرين، وتمتّعوا بقوةٍ جسديةٍ كبيرةٍ، وكانوا مغترّين بقوّتهم، قال الله تعالى فيهم: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)،

وقد أمدّ الله تعالى عادًا بنعمٍ كثيرةٍ جعلتهم يتفوّقون في المجال الزراعيّ والعمرانيّ كما جاء في قوله تعالى على لسان هود -عليه السّلام- مخاطبًا لهم:

 (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ* فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُونِ* وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

 

أصل قوم عاد ومواطنهم بعد طوفان نوح

 

بعد الطوفان العظيم الذي عاشه النبي نوح عليه السلام ـــ والذي كان بداية مرحلة بشرية جديدة ـــ تفرّعت ذرية البشر من أبناء نوح الثلاثة: سام، وحام، ويافث.

ومن نسل سام وُلد عاد، وهو الجدّ الأعلى للقوم الذين عُرفوا باسمه.

 

استوطن قوم عاد منطقة الأحقاف، وهي منطقة واسعة بين جنوب الجزيرة العربية في المثلث الواقع بين اليمن وعُمان وحضرموت، ووصفها القرآن بقوله:

﴿واذكر أخا عادٍ إذ أنذر قومه بالأحقاف﴾.

 

وبيئة الأحقاف كانت عبارة عن كثبان رملية عظيمة تحفّها الجبال، وتطلّ على مناطق ساحلية، وقد كشفت دراسات حديثة احتمالية أن مدينة "إرم" كانت قائمة في تلك المنطقة قبل أن تطمرها الرمال.

 

نعمة القوة والبطش… وكيف بدأ الانحراف

 

تميّز قوم عاد بقوة جسدية فريدة، حتى وصفهم الله تعالى بقوله:

﴿وزادكم في الخلق بسطة﴾.

وكانوا أهل عمرانٍ وبناء، يشيّدون القصور والبيوت الضخمة بين الجبال، ويتخذون المصانع والحصون العالية.

وقد نقلت كتب التفسير أنهم كانوا أصحاب أجسام عظيمة وأعمار طويلة، لكن لا يُجزم بمقاييس محددة؛ إذ إن ذلك لم يرد بنصٍّ صحيح قطعي، وإنما ورد في روايات قديمة تحتمل الصحة والضعف.

 

ومع توالي النعم عليهم، طغوا في الأرض وبغوا، واستعبدوا الضعفاء، وقهروا الأمم من حولهم، واتخذوا الأصنام آلهة بعدما انحرفوا عن توحيد الله الذي جاء به نوح عليه السلام.

   

بعثة النبي هود عليه السلام

 

أرسل الله إليهم نبيَّه هودًا عليه السلام، وهو من نسلهم، ومن أوائل الأنبياء العرب الأربعة: هود، وصالح، وشعيب، ومحمد عليهم الصلاة والسلام.

 

وقف هود يدعو قومه إلى عبادة الله تعالى وحده، ويذكّرهم بنعمه عليهم وقوّتهم التي لم تُعطَ لأحد غيرهم. لكنهم استكبروا وقالوا كلمات خلدها القرآن:

﴿أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا؟ فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾.

 

ولم يُثبت القرآن معجزة حسّية معينة لهود، لكن معجزته الكبرى كانت ثباته أمام قوم جبّارين لا يجرؤ أحد على مواجهتهم، ومع ذلك لم يستطيعوا أذيته، وهو ما أشار إليه بعض أهل التفسير.

 

بداية العذاب: سنوات القحط الثلاث

 

حين تمادى القوم وكذّبوا رسولهم، منع الله عنهم المطر ثلاث سنين، فجفّت الأرض، وهلك الزرع، وذاقوا مرارة الفاقة.

وعندها ـ كعادة المشركين ـ تذكّروا الله بعد أن نفعَهم الأصنام، فقرروا إرسال وفد إلى مكة للاستسقاء، وكان العرب يعرفون حرمة هذا المكان حتى قبل بعثة النبي محمد ﷺ.

 

تُذكر في كتب السيرة قصة وفدٍ من سبعين رجلًا من عاد ذهبوا إلى مكة، وكان سيدهم يُقال له قيل بن عنز.

وأكرمهم في الطريق معاوية بن بكر من قبيلة العماليق، وظلوا عنده شهرًا حتى كادوا ينسون سبب رحلتهم، فأنشد لهم أبياتًا يستنكر فيها لهوهم ويدعوهم إلى أداء مهمتهم، فتنبهوا وتوجهوا إلى الحرم.

 

السحاب الأسود… وبداية النهاية

 

دعا الوفد ربَّه، فأرسل الله ثلاث سحب: بيضاء، وحمراء، وسوداء.

فجاءهم نداء من السماء أن يختاروا واحدة، فاختاروا السوداء ظنًّا منهم أنها سحابة مطر وخير.

لكن النداء أخبرهم بأنها سحابة عذاب، فعادت معهم نحو ديارهم، فاستبشر قوم عاد بقدومها وقالوا:

﴿هذا عارضٌ ممطرنا﴾.

 

لكن هودًا عليه السلام قال لهم:

﴿بل هو ما استعجلتم به، ريحٌ فيها عذابٌ أليم﴾.

 

وأسرع النبي هود بالمؤمنين القلائل الذين آمنوا معه إلى مكان آمن بعيدًا عن موقع العذاب.

 

الريح العقيم… سبع ليالٍ وثمانية أيام حسومًا

 

نزل العذاب على القوم على هيئة ريح صرصر عاتية، لم يُبتلَ بها أحد قبلهم ولا بعدهم، قال تعالى:

﴿وأمّا عادٌ فأُهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية، سخّرها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ حسومًا﴾.

 

وكانت الريح تقلع الرجل منهم بعمامته وترفعه عاليًا ثم تطرحه على الأرض فتقطع رأسه عن جسده حتى يصبح كأنه أعجاز نخلٍ خاوية كما وصف القرآن الكريم.

 

تهدمت قصورهم، وتكسير جبالهم، وتحولت قوتهم التي افتخروا بها إلى هباءٍ تذروه الرياح.

بقي هود عليه السلام ومن معه يشاهدون نهاية أمةٍ كانت أعظم الأمم قوة، فإذا بها تُدفن تحت الرمال في أيام معدودة.

 

العبرة الباقية إلى اليوم

 

انتهت حضارة عاد، ولم يبقَ منها إلا الاسم، لتكون عبرة خالدة لكل ظالم يتوهّم أنه فوق حساب الله.

فالله سبحانه يمهل ولا يهمل، ويبتلي الأقوام بالزلازل والعواصف والآيات تخويفًا وتنبيهًا.

وقد كان النبي ﷺ إذا رأى سحابًا أو ريحًا تغيّر وجهه خشية أن يكون فيها عذاب، وقال:

«اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به».

 

فإن كان نبيُّ الرحمة يخشى، فكيف بالبشر الضعفاء اليوم؟

 

خاتمة

 

إن قصة عاد ليست قصة أمة بادت، بل رسالة متجددة بأن القوة بلا إيمان تتحول إلى نقمة، وأن الظلم مهما امتدّ زمنه فله ساعة مقطوعة، وأن الأمم لا تهلك إلا حين تتكبر عن الحق وتغفل عن ربها.

فليكن في نهاية عاد عبرة لنا جميعًا بأن نعبد الله حق عبادته، وألا نظلم، وألا نغترّ بقوة أو مال أو سلطان، فكل ذلك إلى زوال.

 


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -