النمسا في التاريخ والجغرافيا - بانوراما عن النمسا
النمسا في التاريخ والجغرافيا
مقدمة
النمسا (Austria) هي دولة تقع في قلب أوروبا الوسطى،
وتتمتع بتاريخ طويل ومتنوع من النواحي السياسية والجغرافية. هذا المقال سيتناول
تاريخ النمسا، تطورها السياسي، وجغرافيتها بشكل شامل.
1- النمسا في التاريخ
* العصور القديمة والوسطى
تعود أصول
النمسا إلى الفترة الكلتية والرومانية. في العصور القديمة، كانت المنطقة التي
تُعرف اليوم بالنمسا مأهولة بالقبائل الكلتية. في القرن الأول قبل الميلاد، أصبحت
جزءًا من الإمبراطورية الرومانية تحت اسم مقاطعة "نوريكوم" (Noricum). ومع انهيار الإمبراطورية الرومانية
الغربية في القرن الخامس الميلادي، تأثرت المنطقة بالهجرات الجرمانية.
في العصور
الوسطى، أصبحت النمسا جزءًا من الإمبراطورية الكارولنجية في القرن التاسع، ثم
تحولت إلى إمارة تحت حكم آل بابنبرغ (Babenbergs) في القرن العاشر. بدأ نفوذ آل هابسبورغ (Habsburg) في السيطرة على النمسا في القرن الثالث
عشر، وهي العائلة التي ستظل تحكم البلاد لقرون قادمة.
* الإمبراطورية النمساوية - المجرية
كانت النمسا قوة
بارزة في أوروبا خلال العصور الحديثة. في القرن السادس عشر، أصبحت النمسا مركز
الإمبراطورية الرومانية المقدسة، حيث كان آل هابسبورغ يملكون لقب الإمبراطور
الروماني المقدس. في عام 1804، ومع تفكك الإمبراطورية الرومانية المقدسة، أسس
الإمبراطور فرانز الثاني الإمبراطورية النمساوية.
وفي عام 1867،
تم تشكيل الإمبراطورية النمساوية المجرية (Austro-Hungarian Empire) بعد تسوية مع المجر، مما منح المجريين
قدرًا من الاستقلال ضمن الإمبراطورية. استمرت هذه الإمبراطورية حتى نهاية الحرب
العالمية الأولى، حين هزمت وأدى ذلك إلى تفككها عام 1918.
* الجمهورية النمساوية الأولى والثانية
بعد انهيار
الإمبراطورية النمساوية المجرية، أُعلن عن قيام الجمهورية النمساوية الأولى في عام
1919. ومع ذلك، شهدت البلاد اضطرابات اقتصادية وسياسية خلال العشرينيات
والثلاثينيات، وفي عام 1938، تم ضم النمسا إلى ألمانيا النازية فيما يعرف
بـ"الأنشلوس"
(Anschluss).
بعد هزيمة
ألمانيا في الحرب العالمية الثانية عام 1945، أعيد تأسيس الجمهورية النمساوية
الثانية، والتي أصبحت دولة محايدة ومستقلة بشكل كامل في عام 1955، بعد مغادرة قوات
الحلفاء من أراضيها.
2- التطور السياسي
* النظام السياسي الحديث
تتبنى النمسا
نظامًا ديمقراطيًا برلمانيًا فيدراليًا. الرئيس النمساوي هو رأس الدولة، لكنه يؤدي
دورًا شرفيًا إلى حد كبير، في حين أن المستشار هو رئيس الحكومة وهو المسؤول عن
السياسة اليومية للبلاد.
البرلمان
النمساوي يتألف من مجلسين: المجلس الوطني (Nationalrat) الذي يتم انتخاب أعضائه عبر الانتخابات
العامة، والمجلس الاتحادي (Bundesrat) الذي يمثل المقاطعات الفيدرالية.
النمسا عضو في
العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. انضمت
النمسا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995، وهي تعتمد اليورو كعملة رسمية منذ 1999.
* السياسة الداخلية والخارجية
السياسة
النمساوية معروفة بتوازنها، حيث تشهد تناوبًا بين أحزاب يمينية وأخرى يسارية
معتدلة. من الأحزاب البارزة في النمسا: حزب الشعب النمساوي (ÖVP) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPÖ)، بالإضافة إلى حزب
الحرية اليميني
(FPÖ).
من الناحية
الخارجية، تركز النمسا على الحياد العسكري والتعاون الاقتصادي، ولديها علاقات
وثيقة مع دول الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة. كما أن فيينا تعتبر مقرًا للعديد
من المنظمات الدولية، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الأمن
والتعاون في أوروبا.
3- النمسا في الجغرافيا
* الموقع والحدود
تقع النمسا في
وسط أوروبا، وتحدها من الشمال جمهورية التشيك وألمانيا، ومن الشرق المجر
وسلوفاكيا، ومن الجنوب سلوفينيا وإيطاليا، ومن الغرب سويسرا وليختنشتاين. تبلغ
مساحتها حوالي 83,879 كيلومتر مربع.
* التضاريس
تشتهر النمسا
بتضاريسها الجبلية، إذ تقع في قلب سلسلة جبال الألب، التي تغطي حوالي 60% من
مساحتها. جبال الألب الشرقية تمتد عبر النمسا وتشمل العديد من القمم الشهيرة مثل
جبل غروسغلوكنر
(Grossglockner)،
الذي يعتبر أعلى قمة في النمسا بارتفاع 3,798 متر.
كما أن النمسا
تحتوي على العديد من الأنهار، من أبرزها نهر الدانوب، الذي يعد ثاني أطول نهر في
أوروبا ويمر عبر العاصمة فيينا. النمسا غنية بالبحيرات مثل بحيرة نويزيدل (Neusiedler See) في شرق البلاد.
* المناخ
تتمتع النمسا
بمناخ معتدل بشكل عام، يتراوح بين المناخ القاري في المناطق الشرقية إلى المناخ
الألبي في المناطق الغربية والجبلية. الصيف دافئ إلى معتدل، مع درجات حرارة تتراوح
بين 20 و30 درجة مئوية، بينما الشتاء بارد وتتساقط فيه الثلوج بكثافة في المناطق
الجبلية.
4 - العاصمة والمدن الرئيسية
* فيينا (Vienna)
عاصمة النمسا
وأكبر مدنها، تقع على نهر الدانوب وهي واحدة من أهم المراكز الثقافية والسياسية في
أوروبا. تشتهر بالعمارة الباروكية والمتاحف الموسيقية والفنية. كما تعتبر فيينا
مركزًا دوليًا حيث تستضيف العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية.
* سالزبورغ
مدينة تقع على
الحدود الألمانية وتعتبر مسقط رأس الموسيقار العالمي الشهير وولفغانغ أماديوس
موتسارت. تشتهر بعمارتها الباروكية ومناظرها الطبيعية الخلابة.
* إنسبروك
عاصمة إقليم
تيرول وتقع في جبال الألب. تعتبر مركزًا لرياضات الشتاء، وقد استضافت الألعاب
الأولمبية الشتوية مرتين.
5- اقتصاد النمسا
اقتصاد النمسا
يعتمد بشكل كبير على قطاعي الصناعة والخدمات. تتميز البلاد بمستوى معيشة عالٍ
ونظام رعاية اجتماعية قوي. السياحة تلعب دورًا كبيرًا في الاقتصاد النمساوي، حيث
يأتي السياح من جميع أنحاء العالم لزيارة جبال الألب والمدن الثقافية.
إضافة إلى ذلك،
تعتبر النمسا مركزًا ماليًا وتجاريًا هامًا في أوروبا الوسطى، حيث تحتفظ بروابط
قوية مع جيرانها في الاتحاد الأوروبي والدول غير الأعضاء فيه مثل سويسرا.
الخلاصة
النمسا تجمع بين
التاريخ العريق والجغرافيا الجبلية الخلابة، وهي اليوم دولة مستقرة سياسيًا تتمتع
بمكانة دولية مهمة. بفضل موقعها المركزي في أوروبا، وتاريخها الحافل بالأحداث
والتحولات، تظل النمسا واحدة من أكثر الدول تأثيرًا في المنطقة.