الجديد

جَريمَةُ مَقتَلِ المَلِكِ رَمسيسَ الثّالِثِ ومؤامرة الحريم والمومياء الصارخة

 

جَريمَةُ مَقتَلِ المَلِكِ رَمسيسَ الثّالِثِ ومؤامرة الحريم والمومياء الصارخة


جَريمَةُ مَقتَلِ المَلِكِ رَمسيسَ الثّالِثِ ومؤامرة الحريم والمومياء الصارخة

أول محاولة اتقلاب نسائية ضد الفرعون 

        

 سَوفَ نَستَعرِضُ جَريمَةً مِن أَكبَرِ الجَرائِمِ في تَاريخِ مِصرَ القَديمِ وأَشهَرِها،

بِسَبَبِ اشتِراكِ البَلاطِ المَلَكِيِّ في مُؤامَرةِ مَقتَلِ رَمسيسَ الثّالِثِ،

 وَكَذلكَ لِلمُحاكَمَةِ الشَّهِيرَةِ الَّتي تَمَّت لِلمُجرِمِينَ وَنِهاياتِهِم، رَغمَ أَنَّهُم مِنَ البَلاطِ المَلَكِيِّ، وَمِنهُم زَوجَتُهُ وَأَحَدُ أَبنائِهِ.

البداية 

تُعَدُّ جَريمَةُ مَقتَلِ الفَرعَونِ رَمسيسَ الثّالِثِ واحِدَةً مِن أَكثَرِ الحَوادِثِ إِثارَةً في تَاريخِ مِصرَ القَديمِ،

 حَيثُ مَثَّلَتْ مُؤامَرَةً داخِلِيَّةً أُحِيكَت ضِدَّ المَلِكِ عَلَى يَدِ أَفرادٍ مِن حاشِيَتِهِ وَأُسرَتِهِ.

كَانَ لِهَذِهِ الجَريمَةِ تَأثِيرٌ كَبيرٌ عَلَى استِقرارِ الحُكمِ في مِصرَ خِلالَ الأُسرَةِ العِشرينَ.

 

 خَلفِيَّةٌ تَاريخِيَّةٌ

حَكَمَ رَمسيسُ الثّالِثُ مِصرَ في فَترَةٍ مُضطَرِبَةٍ مِن التَّاريخِ المِصرِيِّ القَديمِ،

بازدِيادِ الضُّغوطِ الخارِجِيَّةِ وَالداخِلِيَّةِ عَلَى المَملَكَةِ. عُرِفَ هَذَا الفَرعَونُ بِجُهودِهِ فِي حِمايَةِ مِصرَ مِن الغَزَواتِ الأَجنَبِيَّةِ،

وَخاصَّةً تَصَدِّيهِ لِشُعُوبِ البَحرِ في مَعْرَكَةِ دِلتَا النِّيلِ. إِلَّا أَنَّ الصِّراعاتِ الداخِلِيَّةَ وَالاضطِراباتِ الاقتصَادِيَّةَ أَضعَفَتْ حُكمَهُ وَأَثَارَتِ الطُّمُوحاتِ الشَّخصِيَّةَ داخِلَ القَصرِ.

 

المُؤامَرَةُ

 سَبَبُ المُؤامَرَةِ

سَبَبُ تَدبِيرِ هَذِهِ المُؤامَرَةِ هُوَ أَنَّ المَلِكَ "رَمسيسَ الثّالِثَ" لَم يُحَدِّدْ مَنْ مِن بَينِ أَبنَاءِ زَوجَاتِهِ المَلَكِيَّاتِ الكُبرياتِ سَيَرِثُ العَرشَ مِن بَعدِهِ.

وَيَبدو أَنَّ هَذَا الأَمرَ دَفَعَ إِحدى زَوجاتِهِ، وَتُدعَى "تِي"، لِلعَمَلِ مِن أَجلِ تَولِي نَجلِها "بِنتاؤُر" مَقالِيدَ الحُكمِ.

فَدَبَّرَتْ "تِي" مَعَ نَجلِها حَرَكَةَ تَمَرُّدٍ فِعْلِيٍّ عَلَى المَلِكِ "رَمسيسَ الثّالِثِ"،

 حَيثُ صَمَّمَتْ الأُولى عَلَى قَتلِ زَوجِها المَلِكِ لِضَمانِ أَن يَكونَ العَرشُ لِنَجلِها بَعدَمَا عَلِمَتْ أَنَّ المَلِكَ سَيُولِّي مِن بَعدِهِ ابنًا آخَرَ.

وَقَدِ اشتَرَكَ مَعَهَا فِي تَدبِيرِ المُؤامَرَةِ اثنانِ مِن كِبارِ مُوَظَّفِي القَصرِ،

وَهُمَا "مَسَد سُورَع"، وَ"ﭙا بَاك آمُون". وَقَدْ كَانَتْ مُهِمَّةُ الأَخيرِ دَاخِلَ القَصرِ وَخارِجَهُ هِيَ تَوصِيلُ رَسَائِلِ الحَرِيمِ إِلَى أُمَّهَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ،

وَمِن بَينِهَا رِسَالَةٌ تَقولُ: "أَثِيرُوا القَومَ، حَرِّضُوا الأَعدَاءَ لِيَبدَأُوا الأَعمَالَ العَدَائِيَّةَ ضِدَّ سَيِّدِهِمْ".

بدأت المؤامرة ضد رمسيس الثالث بتحريض من زوجته الثانية، الملكة تيي، التي أرادت أن تُمكِّن ابنها الأمير بنتاؤور من الوصول إلى العرش.

كانت تيي ترى أن هذا الهدف لن يتحقق إلا بالإطاحة بالملك، خاصةً أن ولي العهد الشرعي كان من زوجة أخرى.

شاركت في المؤامرة مجموعة من كبار الموظفين والخدم في القصر الملكي، بما في ذلك ضباط الحرس والكهنة. استغلَّ المتآمرون حالة التوتر داخل البلاط الملكي لتنفيذ خطتهم

 تَفَاصِيلُ المُؤامَرَةِ

تُشِيرُ البَرْدِيَّاتُ المَعرُوفَةُ بِاسْمِ "بَردِيَّةِ المُؤامَرَةِ الحَرَمِيَّةِ" إِلَى تَفَاصِيلِ الجَرِيمَةِ.

جَرَتْ مُحَاوَلَةُ الاغتِيَالِ أَثنَاءَ احتِفَالَاتِ عِيدِ الأُوبِت، وَهُوَ حَدَثٌ دِينِيٌّ كَبِيرٌ. يَبدُو أَنَّ المُتَآمِرِينَ استَغَلُّوا هَذِهِ الفُرصَةَ لِتَنفِيذِ خُطَّتِهِمْ بَعِيدًا عَن أَعيُنِ الحَرَسِ المَلَكِيِّ.

 

كَشَفَتِ الفُحُوصُ الحَدِيثَةُ لِمُومِيَاءِ رَمسيسَ الثّالِثِ، بِاستخدَامِ تِقْنِيَاتِ التَّصوِيرِ المَقطَعِيِّ،

عَن وُجُودِ جُرحٍ عَمِيقٍ فِي الحَنجَرَةِ، يُرجَّحُ أَنَّهُ كَانَ سَبَبَ الوَفَاةِ. وَيُعتَقَدُ أَنَّ هَذَا الجُرحَ نَاتِجٌ عَن سِلاحٍ حَادْ، مِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ المَلِكَ تَعَرَّضَ لِهُجُومٍ مُبَاشِرٍ.

 

 إِثَارَةُ الفِرَقِ المُعَسْكِرَةِ فِي النُّوبَةِ

وَاشْتَرَكَ فِي المُؤامَرَةِ أَيضًا بَعضُ الضُّبَّاطِ وَحُرَّاسِ القَصرِ، وَأَحَدُ الكَهَنَةِ، وَسِتةٌ مِن نِسَاءِ الحَرِيمِ،

عَمِلْنَ كَوُسَطَاءَ بَينَ المَلِكَةِ وَشُرَكَائِهَا فِي الخَارِجِ. قَبلَ أَن يُسَدِّدَ المُتَآمِرُونَ ضَربَتَهُم،

عَمِلُوا عَلَى إِثَارَةِ الفِرَقِ المُعَسْكِرَةِ فِي بِلادِ "النُّوبَةِ" لِتَشُقَّ عَصَا الطَّاعَةِ ضِدَّ المَلِكِ، وَلِتَقُومَ بِهُجُومٍ مُفَاجِئٍ عَلَى مِصرَ.

وَتَمَكَّنَ المُتَآمِرُونَ مِن كَسبِ رَئِيسِ الفِرْقَةِ إِلَى صَفِّهِمْ.

 

قَطْعٌ ذَبْحِيٌّ بِالرَّقبَةِ أَحدَثَهُ القَاتِلُ مِن الخَلْفِ

أَعلَنَ الفَرِيقُ المِصرِيُّ لِدِرَاسَةِ المُومِيَاوَاتِ المَلَكِيَّةِ رَسمِيًّا عَن كَشفٍ أَثَرِيٍّ مُهِمٍّ حَولَ حَقِيقَةِ مُومِيَاءِ المَلِكِ "رَمسيسَ الثّالِثِ" وَظُروفِ وَفَاتِهِ.

 إِذْ تَمَّ الكَشفُ وَالتَّأكِيدُ مِن أَنَّ المَلِكَ قُتِلَ بِسِكِّينٍ حَادٍّ تَسَبَّبَ فِي قَطعٍ ذَبْحِيٍّ بِالرَّقبَةِ أَحدَثَهُ القَاتِلُ الَّذِي فَاجَأَ ضَحِيَّتَهُ مِن الخَلْفِ.

 

 المُحَاكَمَةُ وَالعِقَابُ

بَعدَ مَقتَلِ رَمسيسَ الثّالِثِ، أُجرِيَتْ مُحَاكَمَةٌ وَاسِعَةٌ لِلمُتَآمِرِينَ.

تُظهِرُ السِّجِلَّاتُ أَنَّ المُحَاكَمَةَ كَانَتْ قَاسِيَةً وَشَمِلَتْ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ المُتَوَرِّطِينَ، حَيثُ أُدِينَ العَدِيدُ مِنهُم بِالإِعدَامِ،

بَينَمَا فُرِضَتْ عُقُوبَاتٌ أُخرَى مِثلَ التَّشْوِيهِ وَالطَّردِ مِن البِلاطِ المَلَكِيِّ.

أما الأمير بنتاؤور، الذي كان أحد قادة المؤامرة، فقد أُجبر على الانتحار كعقوبة على خيانته

المومياء الصارخة"

حيثُ قضت المحكمة بإعدام "بنتاؤر" نجل الملك، وثلاثة آخرين،

وتم لف جسده بجلد الماعز وليس الكتان المعتاد، حيث لم يكن جلد الماعز طاهرا في العقيدة المصرية القديمة، واعتُبر الماعز من الحيوانات التي تُعادي إله الشمس رع، وكانت مومياؤه والمعروفة باسم "المومياء الصارخة" بسبب أنه أجبر على قتل نفسه وتم تحنيط جسده وهو في حالة صراخ،

 

 لأَثَرُ التَّاريخِيُّ

كَانَ لِمَقتَلِ رَمسيسَ الثَّالِثِ أَثَرٌ عَمِيقٌ عَلَى استِقرارِ الأُسرَةِ العِشرِينَ. فَبَعدَ وَفَاتِهِ،

تَوَلَّى الحُكْمَ ابنُهُ رَمسيسُ الرَّابِعُ، وَلكِنَّهُ وَاجَهَ تَحَدِّيَاتٍ كَبِيرَةً لِاستِعَادَةِ الهَيبَةِ المَلَكِيَّةِ.

أُعتُبِرَ اغتِيَالُ رَمسيسَ الثَّالِثِ دَلِيلًا عَلَى تَدَهْوُرِ النِّظَامِ السِّيَاسِيِّ وَالاقتِصَادِيِّ فِي أَوَاخِرِ عَصرِ الدَّولَةِ الحَدِيثَةِ.

 

وقبل أن نختم حديثنا عن رمسيس الثالث

نتناول في دقائق قليلة أهم انجازاته

 أهم إنجازات رمسيس الثالث:

رَمْسِيسُ الثَّالِثُ (1186 ق.م - 1155 ق.م)، يُعَدُّ آخِرَ المُلُوكِ العِظَامِ فِي مِصْرَ القَدِيمَةِ. تَمَيَّزَ حُكْمُهُ بِعِدَّةِ إِنْجَازَاتٍ هَامَّةٍ فِي المَجَالَاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالعَسْكَرِيَّةِ وَالاِقْتِصَادِيَّةِ.

 صَوْنُ حُدُودِ مِصْرَ:

 قَامَ رمسيسُ الثَّالِثُ بِتَعْزِيزِ قُوَّةِ الجَيْشِ وَالدِّفَاعِ عَنْ حُدُودِ مِصْرَ ضِدَّ الغَزَوَاتِ الخَارِجِيَّةِ، خَاصَّةً مَعَ مَجِيءِ شُعُوبِ البَحْرِ.

تَعْزِيزُ الاقْتِصَادِ:

 أَوْلَى اهْتِمَامًا كَبِيرًا بِتَطْوِيرِ الاقْتِصَادِ، خَاصَّةً فِي مَجَالِ الزِّرَاعَةِ، وَأَمَرَ بِحَفْرِ قَنَوَاتٍ جَدِيدَةٍ لِلرَّيِّ.

أَعَادَ تَرْمِيمَ المَعَابِدِ وَالمَبَانِي المَحَلِّيَّةِ، وَشَجَّعَ الإِنْتَاجَ الفَنِّيَّ وَالمِعْمَارِيَّ.

المَعَابِدُ وَالأَعْمَالُ المِعْمَارِيَّةُ:

 أَمَرَ بِبِنَاءِ مَعَابِدِ عِدَّةٍ، مِنْهَا مَعْبَدُهُ الشَّهِيرُ فِي مَدِينَةِ هَابُو (مَعْبَدُ الرَّامِسِيُّونَ)، الَّذِي يُعَدُّ مِنْ أَعْظَمِ مَعَابِدِ الفَرَاعِنَةِ.

 أهم معارك رمسيس الثالث:

مَعْرَكَةُ شُعُوبِ البَحْرِ  1178 ق.م :

 تُعَدُّ هَذِهِ المَعْرَكَةُ مِنْ أَهَمِّ المَعَارِكِ فِي عَهْدِهِ، إِذْ تَصَدَّى فِيهَا لِغَزْوِ شُعُوبِ البَحْرِ، الَّتِي كَانَتْ تُهَدِّدُ مِصْرَ وَالْمَنَاطِقَ المُجَاوِرَةَ.

نَجَحَ فِي تَحْقِيقِ نَصْرٍ كَبِيرٍ بَحْرِيًّا وَبَرِّيًّا، مِمَّا أَمَّنَ حُدُودَ مِصْرَ الشِّمَالِيَّةِ.

المَعَارِكُ ضِدَّ اللِّيبيِّينَ:

 

خَاضَ رَمْسِيسُ الثَّالِثُ عِدَّةَ حَمَلَاتٍ ضِدَّ قَبَائِلِ اللِّيبيِّينَ الَّتِي حَاوَلَتِ التَّوَغُّلَ فِي الأَرَاضِي المِصْرِيَّةِ.

رَمْسِيسُ الثَّالِثُ تَمَكَّنَ، بِقُوَّةِ شَخْصِيَّتِهِ وَقِيَادَتِهِ، مِنَ الحِفَاظِ عَلَى مَكَانَةِ مِصْرَ كَقُوَّةٍ عُظْمَى فِي ذَلِكَ الوَقْتِ.

 وفي النهاية

يَبقَى مَقتَلُ رَمسيسَ الثَّالِثِ واحِدًا مِن أَبرَزِ الجَرَائِمِ فِي تَاريخِ مِصرَ القَدِيمِ، حَيثُ يَكشِفُ عَنِ الصِّرَاعَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ الَّتِي يُمكِنُ أَن تُهَدِّدَ حَتَّى أَقوَى المُلُوكِ. وَمَعَ استِمرَارِ الدِّرَاسَاتِ الأَثَرِيَّةِ، نَتَعَلَّمُ المَزِيدَ عَن تَفَاصِيلِ هَذِهِ الحَادِثَةِ المَأساوِيَّةِ الَّتِي غَيَّرَتْ مَسَارَ التَّاريخِ المِصرِيِّ القَدِيمِ.

 


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -