الجديد

عندما تم أسر لويس التاسع في المنصورة خلال الحملة الصليبية السابعة

 


عندما تم أسر لويس التاسع  في المنصورة خلال الحملة الصليبية السابعة


عندما تم أسر لويس التاسع  في المنصورة خلال الحملة الصليبية السابعة 



في مثل هذا اليوم: ذكرى أسر ملك فرنسا لويس التاسع

  

الحملة الصليبية السابعة

في مثل هذا اليوم، السادس من أبريل عام 1250م، الموافق للثاني من محرّم عام 648 هـ، وقعت واحدة من أبرز لحظات الانتصار في التاريخ الإسلامي، حين تم أسر ملك فرنسا لويس التاسع في منطقة فارسكور قرب دمياط، بعد فشل حملته الصليبية على مصر وفلسطين. كانت مصر حينها الحصن المنيع الذي تصدى لأطماع الأوروبيين، وقادت الأمة العربية والإسلامية إلى النصر.

 

 بداية الحملة

قاد لويس التاسع ملك فرنسا الحملة الصليبية السابعة، والتي كان هدفها الأساسي احتلال القدس. لكنه آمن أن احتلال مصر أولاً سيُضعف العالم الإسلامي، ويُسهّل بسط سيطرته على الشام لاحقًا. وبالفعل، توجهت الحملة نحو مصر ونجحت بسهولة في احتلال دمياط عام 1249م.

 

وفي تلك الفترة، كان سلطان الدولة الأيوبية الصالح أيوب مريضًا بشدة، وتوفي بعد أشهر قليلة من بدء الغزو. غير أن قادة الدولة أخفوا خبر وفاته خوفًا من انهيار معنويات الجنود والشعب.

 

 تمهيد للمعركة

بعد احتلال دمياط، بدأ الفرنجة بالتقدم نحو الداخل المصري حتى وصلوا إلى بحر أشموم، الذي فصلهم عن القوات الأيوبية. قاموا بتحصين مواقعهم، وحفروا الخنادق، ونصبوا المجانيق استعدادًا للمعركة. كما حاولوا بناء جسر لعبور النهر، لكن مقاومة الأيوبيين حالت دون ذلك.

 

في المقابل، اشتعلت المساجد خطبًا تحث على الجهاد، ورددت الآية الكريمة:

"انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"

فانضم الناس من كل أنحاء مصر إلى صفوف المدافعين.

 

 بداية المعركة... وتفوق أولي للفرنجة

في 8 فبراير 1250م، شنّت القوات الفرنجية هجومًا واسعًا، وتمكّنت من عبور النهر ومفاجأة الجيش الأيوبي بقيادة فخر الدين يوسف الدمشقي الذي استُشهد خلال المعركة. وبهذا، وجد الجيش نفسه فجأة بلا قائد.

 

رغم هذا الارتباك، تصدّى المماليك للموقف، ورفضوا التراجع. تولى القيادة القائد الشجاع فارس الدين أقطاي، الذي أعاد تنظيم الصفوف وأشعل روح المقاومة.

 

 خطة بيبرس: المصيدة القاتلة

أبدع القائد ركن الدين بيبرس البندقداري بخطة محكمة لاستدراج القوات الصليبية إلى داخل مدينة المنصورة. أمر بفتح أحد أبواب المدينة وإظهارها كأنها خالية، فظنّ الفرنجة أن المدينة أصبحت في قبضتهم كما حصل في دمياط، واندفعوا نحوها.

 

ولكن ما إن دخلوا الأزقة الضيقة، حتى خرج عليهم المماليك والجنود والعامة من كل صوب، وأمطروهم بالسيوف والرماح والحجارة، وقطعوا طرق الرجوع. حتى أن العامة كانوا يضعون أواني النحاس على رؤوسهم بدلاً من الخوذ. وجد الفرنجة أنفسهم محاصرين في كمين مرعب، لا مجال فيه للهروب، فلجأ البعض للنيل، حيث ابتلعهم الماء.

 

 تراجع وانهيار معنوي

تكبد الصليبيون خسائر فادحة، وحاول من تبقى منهم بناء الجسر مرة أخرى لإنقاذ رفاقهم، ولكن بعد سماعهم بسحق فرسانهم داخل المنصورة، بدأوا في التراجع، وألقى بعضهم بأنفسهم في النيل فرارًا. أما لويس نفسه، فكاد يغرق خلال محاولة الهرب.

 

تراجع الفرنجة إلى معسكرهم شمال بحر أشموم، حيث مكثوا ثمانية أسابيع يعانون الجوع والمرض واليأس، على أمل انهيار القيادة المصرية.

 

 وصول توران شاه وتغيّر المعادلة

لكن ما حدث كان عكس توقعاتهم تمامًا. في 28 فبراير 1250م، وصل السلطان الجديد توران شاه إلى المنصورة، واستلم القيادة رسميًا، معلنًا وفاة والده السلطان الصالح نجم الدين أيوب.

 

بذكاء عسكري، قام توران شاه بقطع خطوط الإمداد بين دمياط ومعسكر الفرنجة، مما ضاعف معاناتهم، وبدأ بعض الجنود بالفرار أو الاستسلام. رغم الهزيمة، حاول لويس التاسع التفاوض، عارضًا الانسحاب من دمياط مقابل تسليم القدس وأجزاء من ساحل الشام، لكن السلطان رفض العرض بشكل قاطع.

 

 الأسر التاريخي

في ليلة 5 أبريل 1250م، قرر لويس التاسع الهروب مع جيشه نحو دمياط، ولكن الجيش المصري كان لهم بالمرصاد. وقعت معركة فارسكور، التي تم فيها سحق الجيش الصليبي بالكامل، وتم أسر لويس التاسع ومعه كبار قادة الحملة.

 

في اليوم التالي، 6 أبريل 1250م، سُجن ملك فرنسا في بيت القاضي ابن لقمان بمدينة المنصورة، في مشهد تاريخي لا يُنسى.

 

 شروط إطلاق سراح لويس التاسع

لم يُطلق سراح لويس إلا بعد تنفيذ عدة شروط، وهي:

 

تسليم مدينة دمياط للمسلمين.

 

الانسحاب الكامل للحملة من الأراضي المصرية.

 

دفع فدية ضخمة قُدّرت بـ 400,000 قطعة ذهبية.

 

أُرسل الحمام الزاجل بالبشرى إلى قلعة الجبل في القاهرة، فعمّت الفرحة، وزُينت الشوارع، وضُربت الطبول احتفالًا بالنصر المؤزر.

 

وختاماً

سُجل هذا اليوم في صفحات المجد العربي والإسلامي، وشهد العالم أن مصر كانت، ولا تزال، حصنًا منيعًا في وجه الغزاة، وقلبًا نابضًا يقود الأمة نحو النصر والكرامة.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -