ثورة 25 يناير في مصر l في ضوء العوامل البنائيّة لعالم الاجتماع نيل سميلسر
ثورة 25 ينايركنموذج لثورات الربيع العربي
مقدمّة
الثورة عمل من أعمال الشعوب ، وهو عمل
إنساني ذات أبعاد اجتماعية سياسية اقتصادية ثقافيّة يقتضي نجاحه توفُّر ظروف زمانيّة وتاريخيّة وإنسانيّة ، وشروط مناسبة ، حتى يحقّق
الأهداف المنشودة منه
وسوف نتناول في موضوعنا هذا ثورة 25 يناير في مصر، ومدى تطابق شروط سيملسير والمتعلقة بالعوامل البنائيّة للحركات الاجتماعيّة المُعارضة.
تعريف الثورة
أما عن تعريف الثورة بشكل علمي بسيط
، فالثورة عمل أو مجموعة من الأعمال يقوم
بها شعب أو جزء من الشعب لتغيير الأنظمة القائمة تغيراً كلياً أو تغيراً جزئياً .
وثورة 25 يناير في جمهورية مصر
العربيّة كنموذج هي إحدى ثورات ما أُطلق عليه الربيع العربي .
هذا الربيع العربي الذي انطلق من تونس
عندما أشعل البوعزيزي النار في نفسه ، وسميت الثورة في تونس بثورة الياسمين .
أما الثورة في مصر فسميت بعدة أسماء
منها ثورة 25 يناير ، وثورة الغضب ، وثورة الشباب .
أهميّة ثورة 25 يناير
وترجع أهميّة ثورة 25 يناير ، كون مصر
تعتبر قلب الأمة العربية ،وما يحدث فيها يؤثر سلباً أو إيجاباً في الأمة العربيّة بشكل
عام وفي منطقتنا بشكل خاص.
وهذا ماحدث بالفعل حيث توالت بعدها الحركات
الشعبية في دول عربية عديدة ، منها اليمن وليبيا وسوريا ، إضافة إلى ذلك تميّزت
بأنها حركة شعبيّة قادها الشباب وتوصف بثورة الشباب , كما أنها تميّزت باستخدام وسائل
التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة عبر الانترنت في مراحل متعددّة من
مراحلها.
نيل سميلسر والعوامل البنائيّة
نيل سيمليسر والعوامل البنائية للحركات
الاجتماعية المعارضة
هو عالم اجتماع أمريكي في جامعة كاليفورنيا،
كتب في مواضيع عدّة حول السلوك الجمعي، وعلم الاجتماع الاقتصادي .
وقد شغل منصب أستاذ علم الاجتماع في جامعة
كاليفورنيا ، بيركلي، ولد سيملسير في كاهوكا بولاية ميسوري عام 1930م ، وحصل على شهادته الجامعية من جامعة هارفارد عام
1952 في قسم العلاقات الاجتماعية.
العوامل البنائيّة عند نيل سميلسر
وقد تناول العوامل البنائيّة للحركات
المُعارضة وهى كالتالي.
الشرط الأول تشكيل وانضمام الأفراد إلى حركات اجتماعية تعارض النظام القائم )
الشرط
الثاني وهو الضغوط البنائيّة ، من حيث عدم تحقق العدالة الاجتماعيّة ،
ووجود
عدم تناسق اجتماعي بين نسيج
المجتمع
الشرط الثالث وهو المعتقدات أو العقائد الفكرية ، من حيث تأثير تلك الأفكار على
تشكل
رأى عام رافض ومعارض للحكم وممارساته .
الشرط الرابع وهو ظهور عوامل معجلّة
لتشكيل الحركة الاجتماعيّة ، من حيث
تعرض فئات للظلم والإهمال من مؤسسات الدولة والقائمين عليها من
المسؤولين في نظام الحكم
الشرط الخامس وهو الجماعات المنسقة ، كما في حالة حركة 6 ابريل وكفاية
الشرط السادس وهو الضبط الاجتماعي ، من حيث استخدام مؤسسات الدولة أساليب قمعيّة تؤدي
في النهاية تؤدي في النهاية إلى انضمام الأفراد إلى الحركة الاجتماعيّة
تطبيق العوامل البنائيّة لسميلسر على ثورة 25 يناير
وسوف نتناول فيما يلي بشكل مُبسّط مدى تطابق تلك الشروط على ثورة 25
يناير
ولم تقم الثورة في مصر كحركة شعبيّة بشكل مفاجىء ،
إنما سبقها مقدمات كلها تدل على أن شيئاً
ما سيحدث ، ومن أهم هذه المقدمات ،
ظهور حركات شعبيّة معارضة للنظام بشكل معلن
أهمها حركة 6 ابريل وحركة كفاية
وانتشار المعارضة الشبابيّة على مواقع التواصل الاجتماعي
( وهذا يطابق الشرط الأول من شروط نيل سميلسر ، والمتعلق بالعوامل البنائيّة ، من حيث تشكيل وانضمام
الأفراد إلى حركات اجتماعية تعارض النظام القائم
) وخاصة بعد حادث وفاة الشاب خالد سعيد في أحد
أقسام الشرطة المصرية هذا الحدث وغيره من الأحداث وسوء الأوضاع في غالبية نواحي
الحياة مما أدى إلى حدوث هياج للرأي
العام في مصر ضد نظام الحكم وضد الشرطة المصريّة سواء على المستوى الشعبي أو على
مستوى الفئة المثقفة وحتى على المستوى الفني.
حيث ظهرت أعمال فنيّة كثيرة تناقش تلك الأوضاع
السيئة في مصر وكذلك الآراء المعارضة لتلك الممارسات تلك الآراء التي ظهرت في
وسائل الإعلام من مقالات للرأي وأعمدة في غالبية الصحف كلها تعبّر عن عدم الرضا
مما أدى إلى وجود وانتشار أفكار وقناعات لدى الرأي العام في مصر
( وهذا يطابق الشرط الثالث وهو المعتقدات أو العقائد الفكرية ، من حيث تأثير تلك الأفكار على
تشكلرأى عام رافض ومعارض للحكم وممارساته ) .
أما عن موعد اشتعال الحركة الشبابيّة
فقد تم اختيار يوم 25 فبراير لأنه يوم عيد الشرطة المصريّة وكان لاختيار هذا اليوم
رمز ودلالة على رفض وانزعاج الرأي العام من ممارسات الشرطة المصريّة.
أما عن دوافع وأسباب اشتعال الثورة
كحركة شعبيّة في مصر فهي دوافع وأسباب متعدّدة تراكمت مع مرور السنوات الطويلة
لحكم الرئيس المصري محمد حسني مبارك ، منها ما هو سياسي ومنها ما هواقتصادي ومنها
ما هو اجتماعي ومنها ما هو ثقافي الخ .
ويأتي على رأس هذه الأسباب والدوافع طول
فترة حكم الرئيس محمد حسني مبارك التي وصلت إلى ثلاثين عاماً كان أهم ما يميزها
فرض حالة الطوارىء ، وتطبيق حالة الطوارىء التي تتيح للشرطة، ووقف القوانين
العاديّة واستخدام قوانين استثنائيّة ، مما أد كما ذكرت إلى ظهور حركات شعبيّة معارضة
لنظام الحكم وممارساته مثل حركة 6 ابريل التي ظهرت في مدينة المحلة الكبرى للتعبير عن تفاوت الأوضاع الاجتماعيّة بين الأغنياء والفقراء وحركة كفاية
التي ظهرت لمعارضة فكرة التوريث .
" وهذا يطابق الشرط الخامس وهو الجماعات المنسقة ، كما في حالة حركة 6 ابريل وكفاية"
وقد نتج
عن كل ما سبق ذكره كما تحدث القائمون على الحركة ممارسات سيّئة لجأت إليها الشرطة ممارسات
من قبض واحتجاز وتعذيب داخل أقسام الشرطة
" وهذا يتطابق الشرط السادس وهو الضبط الاجتماعي ، من حيث استخدام مؤسسات الدولة أساليب قمعيّة تؤدي
في النهاية تؤدي في النهاية إلى انضمام الأفراد إلى الحركة الاجتماعيّة" .
وكان ما قيل عن مقتل الشاب خالد سعيد هو ذروة هذه الممارسات كما ذكر
الشباب الذين أنشأوا صفحة باسمه على مواقع التواصل الاجتماعي اسمها كلنا خالد سعيد
.
كذلك الإهمال من جانب الدولة لبعض المناطق
الجغرافي’ في مصر من حيث تقديم الخدمات أو انتقاص الحقوق أو الاضطهاد كما ظهر ذلك
مع أهل سيناء ,أهل النوبة في صعيد مصر ومع جماعات الإسلام السياسي كالإخوان
المسلمين وسكان المحافظات الإقليمية وهذا
كله سبب تمزق في النسيج الاجتماعي وأوجد عوامل إضافيّة للتذمر والغضب من السياسات
القائمة لنظام الحكم .
( وهذا ينطبق على الشرط الرابع وهو ظهور عوامل معجلّة لتشكيل
الحركة الاجتماعيّة ، من حيث تعرض فئات للظلم والإهمال من مؤسسات الدولة والقائمين
عليها من المسؤولين في نظام الحكم )
يضاف إلى ذلك ما انتشر بين
الرأي العام المصري من نية الرئيس المصري القيام بتوريث ابنه جمال الحكم في مصر .
كذلك ما تميزت به تلك الفترة الطويلة من ممارسات تضييق و قبض واعتقال
للجماعات الإسلاميّة ، يضاف إلى ذلك كله الوضع الاقتصادي السئ في مصر وما عاناه الشعب المصري من فقر
وخاصة الطبقات الدنيا منه واتساع الفجوة بين الأغنياء والطبقة الوسطى والدنيا ،
( وهذا
يطابق الشرط
الثاني وهو
الضغوط البنائيّة ، من حيث عدم تحقق العدالة الاجتماعيّة ، ووجودعدم تناسق اجتماعي
بين نسيج المجتمع ) وكذلك
سوء حالة كافة الأوضاع في مصر مثل سوء
حالة التعليم ووسائل المواصلات والخدمات الصحيّة وعدم توفر
فرص عمل للشباب مع تزايد أعداد السكان في
مصر وسوء حالة كافة الخدمات التي تقدمها الحكومات المتوالية للشعب المصري ، وخاصة انتشار
ظاهرة تولي رجال الأعمال للمناصب الوزاريّة في الحكومات المصرية في السنوات
الأخيرة قبل الثورة ،
وما تلا ذلك من انتشار الفساد كما يذكر الشباب القائم بالثورة ، مما انعكس سلباً
على كافة الأوضاع الاجتماعيّة في مصر وانتشار ظاهرات اجتماعيّة سيئة مثل تأخر سن
الزواج وانتشار ظاهرة العنوسة بين الشباب في مصر وكذلك ازدياد حالات الطلاق وكثير
من الظواهر الاقتصادية السيئة ، يضاف إلى ذلك كله انتخابات مجلس الشعب المصري قبل
اندلاع الثورة بشهرين تقريباً.
تلك الانتخابات التي حصل فيها الحزب
الوطني الحاكم في مصر على نسبة تصل إلى 96% من عدد
مقاعد مجلس الشعب وما انتشر بين أفراد الشعب المصري عن التزوير في تلك الانتخابات وتلك الانتخابات
وما صاحبها من تزوير تعتبر شرارة البدء في اشتعال الثورة .
نتائج ثورة 25 يناير
أما عن نتائج ثورة 25 يناير في مصر
فهي متعددّة وعلى كافة المستويات ، ومنها ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي .
أما عن النتائج والتأثيرات خارجياً
فأهمها وتأثراً بها ، اشتعال الثورة في عدة بلدان عربيّة ، هي اليمن وليبيا وسورية
وما تلاها من تأثيرات نعيش آثارها حتي اليوم .
أما عن أهم النتائج داخلياً ، فقد تنحى الرئيس
محمد حسني مبارك عن الحكم وتسليم مقاليد الحكم للمجلس العسكري ، وما تبعها من فترة
تمكنت خلالها جماعة إسلاميّة وهي الإخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة في مصر
وما تلى ذلك من أحداث نعيش تأثيراتها حتى الآن ، كذلك دخول مصر في فترة عدم
استقرار سياسي تم خلالها انتخابات لمجلس الشعب والشورى ووضع دستور جديد ، كذلك
دخول البلاد في فترة عدم استقرارأمني خاصة بعد ما جرى من أحداث اعتداء على السجون وأقسام الشرطة المصرية وما نتج عن
ذلك
من هروب آلاف المحكوم عليهم من السجون
والأقسام ، وما نتج عن ذلك من عدم استقرار اجتماعي.
كما نتج عن الثورة المصريّة العديد من
القتلى والجرحى بلغ عددهم حسب التقديرات
المعلنة إلى حوالي 572 قتيل مابين مدني ورجال شرطة ، كذلك بلغ عدد الجرحى إلى
حوالى 7250 جريح مابين مدني ورجل شرطة ، بالإضافة إلى حرق العديد من أقسام الشرطة
واقتحام بعض السجون وتدميرها وحرق العديد من المؤسسات والمباني السياسية
والتعليمية والوزارات والسيارات .