الدروز: عقيدة وعادات خفية - تاريخ وكفاح ضد فرنسا l واندماج مع إسرائيل وتجنيد في جيشها
الدروز بين المضي الجميل والحاضر المرقع
مقدمة
الدروز هم طائفة
دينية تتمركز في الشرق الأوسط، وتحديدًا في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن. يعود
أصلهم إلى القرن الحادي عشر الميلادي، ويتميزون بعقيدة دينية خاصة تجمع بين عناصر
من الإسلام والفلسفات الباطنية. يتمتع الدروز بخصوصية ثقافية ودينية، ويحافظون على
تقاليدهم وعاداتهم بشكل صارم.
أصول وتاريخ الدروز
يعود ظهور
الطائفة الدرزية إلى عهد الدولة الفاطمية في مصر خلال فترة حكم الخليفة الحاكم
بأمر الله (996-1021 م). يُعتقد أن المذهب الدرزي نشأ عن تيار إسماعيلي باطني،
وتطورت معتقداته على يد شخصيات بارزة مثل حمزة بن علي ومحمد بن إسماعيل الدرزي
الذي يُنسب إليه اسم الطائفة.
تعرض الدروز
لاضطهادات عدة عبر التاريخ، ما دفعهم إلى العيش في مناطق جبلية وعرة مثل جبل لبنان
وجبل العرب (في سوريا) لحماية أنفسهم. وخلال الفترة العثمانية، تمتع الدروز بفترات
من الاستقلال الذاتي، خاصة في لبنان حيث لعبوا دورًا بارزًا في السياسة المحلية.
العقيدة الدرزية
تتميز العقيدة
الدرزية بسرية تعاليمها، حيث يُحظر على غير الدروز الاطلاع على الكتب الدينية
الخاصة بهم. ولا يُسمح إلا لمن يُعرفون بـ"العُقّال" من الطائفة بقراءة
الكتب المقدسة، مثل "رسائل الحكمة".
أبرز المعتقدات الدرزية:
التوحيد:
يعتقدون بوحدانية الله، ويؤمنون بأن الحاكم بأمر الله كان تجسيدًا للإرادة الإلهية.
التناسخ: يؤمنون
بأن الأرواح تنتقل من جسد إلى آخر بعد الموت.
عدم التبشير: لا
يسعون لنشر عقيدتهم أو استقطاب معتنقين جدد.
الإيمان بالولاء
والطاعة: للطائفة وللزعامات الدينية والسياسية الدرزية.
العادات والتقاليد
يحرص الدروز على
الالتزام بتقاليدهم التي تشمل:
اللباس المحتشم:
خاصة للنساء العُقّال، حيث يرتدين الحجاب الأبيض.
الزواج الداخلي:
لا يتزوج الدروز من خارج الطائفة للحفاظ على نقاء العقيدة.
احترام كبار
السن والمشايخ: يُنظر إليهم كحكماء ومرجعيات دينية.
الاحتفال بعيد
الأضحى: وهو العيد الأساسي لدى الدروز، رغم اختلاف تفسيرهم له عن باقي المسلمين.
العلاقة بين الدروز وإسرائيل
عوامل العلاقة المعقدة:
التجنيد في
الجيش الإسرائيلي: تُلزم الدولة الإسرائيلية الشباب الدروز بالخدمة العسكرية، مما
يميزهم عن باقي العرب في إسرائيل.
الدور السياسي:
شارك الدروز في الحياة السياسية الإسرائيلية، حيث برزت شخصيات درزية في الجيش
والبرلمان.
الهوية
والانتماء: رغم اندماج بعض الدروز في المجتمع الإسرائيلي، يشعر الكثيرون بازدواجية
الهوية بين قوميتهم العربية وولائهم لإسرائيل.
الموقف من
القضية الفلسطينية: يختلف موقف الدروز في إسرائيل عن موقف الدروز في لبنان وسوريا،
حيث أن الأغلبية في تلك الدول تعارض السياسات الإسرائيلية.
خدمة الدروز في الجيش الإسرائيلي: الأسباب والسياقات
تعدّ الطائفة
الدرزية في إسرائيل واحدة من المكونات الفريدة للمجتمع الإسرائيلي، حيث يخدم معظم
الشباب الدروز في الجيش الإسرائيلي بخلاف العديد من المجموعات العربية الأخرى في
البلاد. تعود هذه الظاهرة إلى مجموعة من العوامل التاريخية، السياسية، والاجتماعية
التي ميزت العلاقة بين الدروز والدولة العبرية منذ قيامها عام 1948.
1. الخلفية التاريخية
تعود جذور تجنيد
الدروز في الجيش الإسرائيلي إلى اتفاق غير رسمي بين زعماء الطائفة الدرزية
والقيادة الصهيونية خلال حرب 1948، حيث اختارت القيادة الدرزية تبنّي موقف الحياد
النسبي أو دعم الدولة الجديدة بدلاً من مواجهة المصير الذي لقيه العديد من القرى
العربية التي رفضت الاعتراف بإسرائيل.
وفي عام 1956،
تم فرض التجنيد الإجباري على أبناء الطائفة الدرزية بموجب قانون رسمي، ليصبحوا
المجموعة العربية الوحيدة في إسرائيل التي يُفرض عليها أداء الخدمة العسكرية، في
حين أن العرب المسلمين والمسيحيين معفيون من هذا التجنيد.
2. أسباب تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي
عدة عوامل أسهمت
في تجنيد الدروز في الجيش الإسرائيلي، من بينها:
العلاقة
التاريخية: تطورت علاقة تعاون بين القيادات الدرزية والحكومة الإسرائيلية منذ
تأسيس الدولة، حيث فضّل بعض القادة الدروز التعاون مع إسرائيل لضمان استقرار
مجتمعهم وحماية مصالحهم.
الهوية
المتميزة: يرى بعض الدروز أنفسهم مجموعة إثنية منفصلة عن العرب، وهو ما عزز قبول
التجنيد العسكري كجزء من تكوين هوية خاصة داخل إسرائيل.
الدوافع الاقتصادية
والاجتماعية: توفر الخدمة العسكرية للدروز فرصًا اقتصادية وتعليمية، إذ يسهل
الانضمام إلى الجيش الوصول إلى وظائف حكومية وأمنية، بالإضافة إلى امتيازات أخرى
مثل القروض السكنية والمنح الدراسية.
السياسة
الإسرائيلية: تسعى إسرائيل إلى دمج الدروز في مؤسسات الدولة بطريقة مختلفة عن باقي
العرب لتعزيز الانقسام داخل المجتمع العربي، وبالتالي الحدّ من المعارضة الجماعية
للدولة.
3. الواقع الحالي والمواقف المتباينة
على الرغم من أن
معظم الشباب الدروز يؤدون الخدمة العسكرية، فإن هناك تصاعدًا في المعارضة للتجنيد
داخل الطائفة، خاصة بين الأجيال الشابة التي ترى أن سياسة إسرائيل تمييزية ضد
الدروز رغم ولائهم للدولة. وبرزت في السنوات الأخيرة حملات رفض التجنيد من بعض
الناشطين الدروز الذين يعتبرون أن إسرائيل لا تعاملهم كمواطنين متساوين، خصوصًا
بعد إقرار "قانون الدولة القومية" عام 2018 الذي شدّد على الهوية
اليهودية للدولة، مما أثار استياء العديد من الدروز الذين شعروا بالتهميش.
تاريخ الدروز في مقاومة الاحتلال الفرنسي ودور عائلة الأطرش في الكفاح ضد الانتداب الفرنسي
يتمتع الدروز
بتاريخ طويل من النضال والمقاومة ضد الاحتلال الأجنبي، وكان لهم دور بارز في
التصدي للانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان بعد الحرب العالمية الأولى. وكانت ثورة
سلطان باشا الأطرش عام 1925 واحدة من أهم حركات المقاومة الوطنية ضد الاستعمار
الفرنسي، حيث قاد الدروز مع عدد من القوى الوطنية السورية حركة مقاومة استمرت لعدة
سنوات.
أولاً: الدروز والمقاومة ضد الاحتلال الفرنسي
1. الخلفية التاريخية للاحتلال الفرنسي
بعد نهاية الحرب
العالمية الأولى، فرضت فرنسا الانتداب على سوريا ولبنان بموجب اتفاقية سايكس بيكو،
وبدأت بإحكام سيطرتها العسكرية والإدارية على المنطقة. أدى ذلك إلى إثارة مشاعر
الغضب لدى السوريين عمومًا، ولدى الدروز على وجه الخصوص، الذين رفضوا أي شكل من
أشكال السيطرة الأجنبية.
2. بداية المقاومة الدرزية
بدأت المقاومة
الدرزية ضد الاحتلال الفرنسي منذ اللحظات الأولى لدخول القوات الفرنسية إلى جبل
الدروز (حاليًا محافظة السويداء في سوريا)، حيث رفض الدروز الخضوع للهيمنة
الاستعمارية. وقد شكلت المنطقة بيئة حاضنة للثوار، إذ كانت تتمتع بتاريخ طويل من
الحكم الذاتي والشعور القوي بالهوية والاستقلال.
3. الأسباب المباشرة للثورة ضد الفرنسيين
كانت هناك عدة
أسباب دفعت الدروز إلى مقاومة الاحتلال الفرنسي، ومن أهمها:
فرض الضرائب
بشكل مجحف على السكان.
محاولة
الفرنسيين التدخل في شؤون الدروز الداخلية، مما أثار غضب زعماء العشائر.
قمع الحريات
وفرض الأحكام العرفية على السوريين عمومًا.
تجزئة سوريا إلى
عدة دويلات صغيرة، ومنها دولة جبل الدروز، في محاولة لإضعاف الهوية الوطنية
السورية.
ثانيًا: دور عائلة الأطرش في الكفاح ضد الفرنسيين
1. سلطان باشا الأطرش: القائد العام
للثورة السورية الكبرى
يعتبر سلطان
باشا الأطرش (1891-1982) الشخصية الأبرز في مقاومة الفرنسيين، حيث لعب دورًا
رئيسيًا في تنظيم وتمويل وقيادة الثورة السورية الكبرى عام 1925.
2. الثورة السورية الكبرى (1925-1927)
انطلقت الثورة
رسميًا في 21 يوليو 1925، بعد معركة الكفر، عندما أعلن سلطان باشا الأطرش الجهاد
ضد الفرنسيين ودعا جميع السوريين للانضمام إلى الثورة. ومن أبرز المعارك التي
خاضتها قوات الأطرش ضد الفرنسيين:
معركة الكفر
(1925): أولى المواجهات الحاسمة، حيث تمكن الثوار من إلحاق هزيمة كبيرة بالفرنسيين.
معركة المزرعة
(1925): كانت واحدة من أكبر الانتصارات للثوار، حيث تكبد الفرنسيون خسائر فادحة.
معركة السويداء
(1926): رغم صمود الثوار، تمكن الفرنسيون لاحقًا من احتلال المدينة بعد قصف عنيف.
3. تأثير الثورة السورية الكبرى
أثارت الثورة
السورية الكبرى موجة من الغضب ضد الفرنسيين، ليس فقط في جبل الدروز، ولكن في جميع
أنحاء سوريا. كما أدت إلى توحيد القوى الوطنية السورية ضد الاستعمار، وساهمت في
دفع فرنسا إلى تغيير استراتيجيتها في إدارة سوريا.
4. نفي سلطان باشا الأطرش وعودته
بعد قمع الثورة،
اضطر سلطان باشا الأطرش إلى الفرار إلى الأردن، حيث عاش في المنفى لعدة سنوات،
لكنه عاد لاحقًا إلى سوريا بعد العفو عنه، واستمر في دعم القضية الوطنية حتى وفاته.
* الإرث النضالي للدروز وعائلة الأطرش
ظلت عائلة
الأطرش رمزًا للمقاومة الوطنية السورية، حيث لعب أفرادها أدوارًا بارزة في الحياة
السياسية والعسكرية.
بقي جبل الدروز
موطنًا للروح الوطنية، واستمر الدروز في دعم القضايا الوطنية السورية بعد
الاستقلال.
كان للثورة
السورية الكبرى دور مهم في تمهيد الطريق لاستقلال سوريا عن الاحتلال الفرنسي عام
1946.
ما مصير أفراد
عائلة الأطرش وأين عاشوا وخاصة فريد الأطرش وأسمهان
مصير أفراد
عائلة الأطرش وأين عاشوا، وخاصة فريد الأطرش وأسمهان
أولاً: مصير عائلة الأطرش بعد الثورة السورية الكبرى
بعد فشل الثورة
السورية الكبرى (1925-1927)، تعرضت عائلة الأطرش للاضطهاد والملاحقة من قبل القوات
الفرنسية، حيث تم قمع الثورة بوحشية، ما أجبر العديد من أفراد العائلة، بمن فيهم
سلطان باشا الأطرش، على الفرار إلى خارج سوريا، وخاصة إلى الأردن. وبعد العفو
عنهم، عاد سلطان باشا الأطرش لاحقًا إلى سوريا واستقر في مسقط رأسه في السويداء،
حيث بقي زعيمًا وطنيًا حتى وفاته عام 1982.
أما بقية أفراد
العائلة، فقد انتقل بعضهم إلى لبنان ومصر، وكان لهم أدوار مختلفة في المجالات
السياسية والفنية والاجتماعية. وكان من أبرز أفراد العائلة الذين انتقلوا إلى مصر
فريد الأطرش وأسمهان، اللذان أصبحا من أشهر فناني الوطن العربي في القرن العشرين
ثانيًا: فريد
الأطرش – أمير الموسيقى العربية
حياته ومسيرته
الفنية
الميلاد: ولد
فريد الأطرش في 19 أكتوبر 1910 في جبل الدروز (السويداء – سوريا)، لكنه انتقل مع
عائلته إلى مصر هربًا من الملاحقة الفرنسية بعد فشل الثورة السورية الكبرى.
الهجرة إلى مصر:
استقرت العائلة في القاهرة، حيث نشأ فريد في بيئة فنية وتأثر بالموسيقى العربية
الأصيلة. درس الموسيقى في المعهد الموسيقي وأصبح أحد أهم عازفي العود والمطربين في
الوطن العربي.
النجاح الفني:
قدم العديد من الأغاني والأفلام السينمائية، وكان من أبرز ألحانه أغنيات مثل
"حبيب العمر"، "يا زهرة في خيالي"، "لحن الخلود"
وغيرها.
وفاته: توفي في
26 ديسمبر 1974 في بيروت، لبنان، بعد مسيرة حافلة بالموسيقى والسينما، ودفن في
القاهرة.
ثالثًا: أسمهان – الصوت الاستثنائي الذي رحل مبكرًا
حياتها ومسيرتها
الفنية
الميلاد: وُلدت
آمال الأطرش، المعروفة فنيًا باسم أسمهان، في 1912 في جبل الدروز، وانتقلت مع
عائلتها إلى مصر بعد الثورة.
البدايات
الفنية: امتلكت صوتًا فريدًا وصعدت بسرعة إلى قمة الغناء العربي بفضل موهبتها
وإحساسها المميز. تعاونت مع كبار الملحنين مثل محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش.
الأعمال الفنية:
من أشهر أغانيها "ليالي الأنس في فيينا"، "إمتى حتعرف"،
"يا طيور"، كما شاركت في أفلام مثل "غرام وانتقام".
الوفاة الغامضة:
توفيت في 14 يوليو 1944 في حادث سيارة غامض أثناء توجهها إلى رأس البر، وما زالت
وفاتها مثار جدل حول ما إذا كان الحادث مدبرًا أم مجرد قضاء وقدر.
الخاتمة
بين السياسة
والفن، كان لعائلة الأطرش تأثير كبير في تاريخ سوريا والعالم العربي. بينما قاد
سلطان باشا الأطرش المقاومة ضد الفرنسيين، سطع نجما فريد الأطرش وأسمهان في سماء
الموسيقى العربية، حيث تركا إرثًا فنيًا خالدًا لا يزال يحتفى به حتى اليوم.